في الأيام الأولى للأعمال التجارية، بدأت القصة مع الإنسان - الفرد الذي أشعل الفكرة الأولية، أخذ المخاطرة الأولى، ووضع الأساس لما نعرفه اليوم كأعمال تجارية حديثة. سرعان ما تبع ذلك الحاجة إلى الأرض ورأس المال، مما أدى إلى بزوغ عصر الاقتصاد الزراعي والصناعي. مع ازدهار الصناعات، أصبح السعي وراء الربح هو الهدف الأساسي وربما الأوحد للأعمال التجارية "الربح أولا"، تبعاً لعقيدة ميلتون فريدمان الاقتصادي الأمريكي الشهير، مما أدخلنا في حقبة حيث كان تعظيم الربحية هو الهدف الرئيسي لوجود شركات الأعمال بل هو مسئوليتها المجتمعية الوحيدة تجاه ملاكها أو مساهميها.
ومع ذلك، فإن التركيز على الربح قبل كل شيء أدى في النهاية إلى تحديات كبيرة. ظهرت ممارسات العمل الاستغلالية، التدهور البيئي، وعدم المساواة الاقتصادية، مما دفع إلى إعادة تقييم نقدية. كانت الاستجابة هي التحول نحو عقلية "العميل أولاً"، التي تجسدها الشركات التي تركز على العملاء مثل نوردستروم و آبل، التي ازدهرت بوضع عملائها في قلب عملياتها.
لكن، كشف هذا التركيز على العملاء، رغم نجاحه الأولي، عن نتيجة غير مقصودة: الموظفون غير المتحمسون وغير المتفاعلين. عندما شعر الموظفون بأنهم غير مــقــدَّرين، تراجعت إنتاجيتهم وولائهم، مما أضرَّ في النهاية بالربحِ ورضا العملاء. هذا الإدراك قاد إلى مفهوم "الموظفون أولاً"، الفلسفة التي تبناها قادة مثل فينيت ناير من HCL Technologies. أظهرت مقاربة ناير أن تمكين الموظفين والاستثمارَ فيهم يمكن أن يخلق قوة عمل أكثر ابتكاراً والتزاماً وإنتاجية.
رغم مزاياها، غالباً ما تم رفض فكرة "الموظفون أولاً" كفكرة مثالية، تُعتبر رؤية يوتوبية بدلاً من استراتيجية عملية. نتيجة لذلك، ومع تقدم التكنولوجيا، انجذب العالم التجاري نحو نهج "الموبايل أولاً" فازدهرت نماذج الأعمال الرقمية والاقتصاد التشاركي وأنشطة التحول الرقمي، ومن ثم دخلنا مؤخراً مرحلة "الذكاء الاصطناعي أولاً". استخدمت هذه الاستراتيجيات الابتكار التكنولوجي لتبسيط العمليات، وتحسين تجارب العملاء، وتعزيز الكفاءة.
اليوم، ومع استمرار الذكاء الاصطناعي في تحويل الصناعات، هناك اعتراف متزايد بأن التكنولوجيا وحدها لا يمكنها معالجة جميع تحديات الأعمال. أصبح التركيز على الذكاء الاصطناعي يبرز اعتبارات أخلاقية جديدة وإمكانية نزع الإنسانية في مكان العمل. ونتيجة لذلك، يدعو العديد من قادة الأعمال والمفكرين إلى العودة إلى نهج أكثر شمولية، "الإنسان أولاً".
هذه الفلسفة الناشئة تؤكد على أهمية موازنة التقدم التكنولوجي مع القيمة الجوهرية للإنسان. تؤكد أن الشركات يجب أن تستفيد من الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيات الأخرى لتعزيز الإنتاجية وكذلك إثراء التجربة الإنسانية. تقوم شركات مثل باتاغونيا و زابوس بتجسيد هذا النهج من خلال تعزيز ثقافات شاملة، وأولوية رفاهية الموظفين، والمساهمة بشكل إيجابي في المجتمع.
في النهاية، يبدو أن رحلة الفكر التجاري تقتربُ من إكمال دائرة كاملة٫ تَعودُ فيها القصة من حيث بدأت. من الفرد الذي بدأ كل شيء، مروراً بمراحل رأس المال، الربح، العميل، والتركيز على الموظف، إلى العصر الرقمي الحالي المدفوع بالذكاء الاصطناعي، نعيد اكتشاف الحقيقة الأساسية: جوهرُ أي عملٍ ناجحٍ يكمنُ في تقدير الإنسانية. بينما نتنقل في تعقيدات العالم الحديث، قد يكون نهجُ "الإنسانُ أولاً" هو المبدأ التوجيهي الذي يضمن التقدم المستدام والأخلاقي.
هذه العودة إلى القيم المتمحورة حول الإنسان يتردد صداها ليس فقط مع الموظفين والعملاء، ولكن أيضًا مع التفويض المجتمعي الأوسع للشركات بالتصرف بمسؤولية وأخلاقية. بينما ننظر إلى المستقبل، من الواضح أن وضع الإنسانية في قلب استراتيجية الأعمال ليس مجرد واجب أخلاقي، بل هو ضرورة استراتيجية للاستدامة والنجاح طويل الأمد.