هذا المقال يُكمل ما نشرته سابقًا على منصة لينكدإن حول قرار هيئة الأوراق المالية الأمريكية بالموافقة على طرح صناديق التداول الفوري المرتبطة بعملة بيتكوين. القرار، الذي استقبله العديد من المحللين بترحيب، يمثل تحولًا كبيرًا عن الموقف المتشدد للهيئة خلال العقد الماضي، حيث رفضت الموافقة على طلبات مشابهة بحجة احتمالية التلاعب والاحتيال، وهي مخاوف ما زالت قائمة حتى بعد هذا القرار.
سياق القرار وتبعاته
على مدى عشر سنوات، ظلت هيئة الأوراق المالية الأمريكية ترفض طلبات صناديق التداول الفوري على أساس مخاطر التلاعب بالسوق وعدم حماية المستثمرين. حتى بعد قرار المحكمة برفض موقف الهيئة بشأن طلب شركة “جراي سكيل”، ظلت التحفظات قائمة. اللافت هنا أن القرار الأخير بالموافقة جاء بعد اختراق حساب الهيئة على منصة “إكس” ونشر خبر كاذب عن الموافقة قبل الإعلان الرسمي، مما كشف عن ضعف إجراءات الأمان لدى الهيئة مثل عدم تفعيل ميزة التحقق الثنائي.
هل يعكس القرار دعمًا للعملات المشفرة؟
من المهم التأكيد على أن هذه الموافقة لا تعني دعم هيئة الأوراق المالية للاستثمار في بيتكوين أو العملات المشفرة عمومًا. الصناديق المستفيدة من القرار تسعى لجذب المستثمرين دون توضيح المخاطر الحقيقية. فالمستثمرون لا يشترون بيتكوين بشكل مباشر، بل يتعرضون لسعر العملة عبر وحدات الصناديق، التي تمتلك بدورها أرصدة من بيتكوين. هذا النموذج يفيد المؤسسات ولكنه لا يخدم بيتكوين كشبكة لامركزية.
التأثير على شبكة بيتكوين ومجتمع المعدّنين
كل مليون وحدة بيتكوين يتم تخصيصها للصناديق تقلل من جاذبية بيتكوين كوسيط للتبادل وتُضعف الشبكة من خلال تقليل العمليات المباشرة. هذا التأثير يضر بمجتمع المعدّنين الذين يعتمدون على رسوم المصادقة من العمليات المباشرة.
بيتكوين، منذ إطلاقها في عام 2008، كانت تهدف لأن تكون بديلًا للنظام المالي المركزي، ولكن بعد 15 عامًا، لم تنجح كوسيط للتبادل بسبب ضعف تبني الأفراد والتجار لها لهذا الغرض. الاعتماد على بيتكوين كمخزن للقيمة فقط دون تعزيز دورها كوسيط للتبادل يهدد بقائها.
التحديات المرتقبة
بحلول عام 2024، ومع التنصيف المقبل في مكافآت المعدّنين، ستواجه شبكة بيتكوين تحديًا أكبر. فتنصيف المكافآت يعتمد على زيادة العمليات والشبكة للحفاظ على حافز المعدّنين. لكن تخصيص المزيد من وحدات بيتكوين للصناديق قد يحد من العمليات المباشرة، مما يهدد استمرار النظام اللامركزي.
احتكار الوحدات وآثاره السلبية
النظام الحالي يُظهر تركزًا شديدًا في ملكية بيتكوين. ما يقارب 2% من المحافظ تسيطر على 93% من الثروة. هذه الأقلية، التي تمتلك القدرة على تمويل صناديق التداول، قد تتسبب في أزمات للنظام المالي اللامركزي إذا استمر احتكارها للنموذج. تحليل نشرته في مارس 2023 أوضح أن 45 مليون محفظة تمتلك فقط 1.3 مليون وحدة من بيتكوين، بينما يسيطر مليون محفظة على 18 مليون وحدة.
خاتمة: الحاجة إلى التفكير الابتكاري
لا يمكن لنظام مالي لا مركزي أن يزدهر تحت سيطرة التفكير المركزي الذي يسعى لتطويع النموذج ليتماشى مع أدوات النظام التقليدي. الابتكار الذي أطلق بيتكوين يهدده الآن التوجه نحو مركزة الثروة والتلاعب بأساسيات النموذج.
إن مستقبل بيتكوين يعتمد على عودتها إلى جذورها كوسيط للتبادل وزيادة التبني من قبل الأفراد والتجار، مما يعيد للنظام اللامركزي توازنه ويضمن استدامته.
رسالة واضحة للمستثمرين وصناع القرار: تعزيز دور بيتكوين كأداة للتبادل وليس فقط كمخزن للقيمة هو الطريق الأمثل لدعم شبكتها وضمان استمراريتها.