Nov. 11, 2024

إعادة تعريف السعادة في العمل: حينما يتقاطع اللعب مع العمل

إعادة تعريف السعادة في العمل: حينما يتقاطع اللعب مع العمل

لفت نظري الاقتباس الظاهر في الصورة التعريفية لهذا المقال، وهو اقتباس للمؤثر والملهم في القيادة سايمون سينيك، يقول: 

“الهدف ليس أن { نعمل بجد ونلعب بجد }. الهدف هو أن نجعل العمل واللعب متداخلين بحيث لا نستطيع التفريق بينهما.”

نحن معتادون على فصل “اللعب” عن “العمل”. فالعمل يُنظر إليه كواجب مفروض، مسؤولية جادة، وربما عبء ثقيل نحمله لتحقيق لقمة العيش. أما اللعب، فهو وقت المرح، حيث تبتسم الحياة ونشعر بالحرية. الغريب أننا نستمتع باللعب أكثر من العمل، رغم أننا نحصل على أجر مقابل العمل، بينما لا يدفع لنا أحد مقابل اللعب.

هذا الانفصال بين العمل واللعب ترسخ في ثقافتنا عبر الأجيال. فالأطفال، عندما يلعبون، يُشجعون لأنهم “أطفال”، أما عندما ينضجون، يُطلب منهم أن “يتركوا اللعب جانباً” ويأخذوا الحياة بجدية. لكن هل من الممكن أن تكون هذه النظرة خاطئة؟ وهل يمكننا أن نجعل العمل نفسه ممتعاً وملعباً للتطور والإبداع؟

لماذا نفصل بين العمل واللعب؟

ربما يعود السبب إلى الطريقة التي نعرّف بها العمل واللعب. فالعمل يُعتبر عادة وسيلة لتحقيق غاية: راتب، مركز وظيفي، أو إنجاز مهمة. أما اللعب فهو غاية بحد ذاته، مرتبط بالشعور بالمتعة والتجربة دون قيد أو شرط. لكن لو أعدنا النظر في هذا المفهوم، هل يمكن أن يكون للعمل بعدٌ مشابه للعب؟ هل يمكن أن نصنع بيئات عمل تشبه إلى حد ما ساحات اللعب، حيث يجتمع الإبداع بالحرية والشغف؟

اللعب: أداة للسعادة والإنتاجية

أظهرت العديد من الدراسات أن البيئات التي تمزج بين عناصر اللعب والعمل تكون أكثر إنتاجية. فاللعب يعزز الابتكار، يخفف التوتر، ويعزز الترابط بين أفراد الفريق. على سبيل المثال، عندما يُسمح للموظفين بالمشاركة في أنشطة ترفيهية، أو عندما يتم تصميم العمل بطريقة تشجع على الإبداع والتجربة، تصبح البيئة أكثر حيوية وجاذبية.

عندما ننظر إلى مفهوم “اللعب” بشكل أوسع، لا نقصد فقط الأنشطة الترفيهية، بل نشير أيضًا إلى حالات التدفق (Flow) وهي الحالة المعرّفة في علم النفس الإيجابي، حيث يغرق الإنسان في العمل بحماس، مستمتعًا بكل لحظة لأنه يجد فيه معنى وشغفًا.

من المفارقات اللطيفة أيضا تعليق سايمون سينيك نفسه على فكرة "اعمل بجد والعب بجد" حيث يعتبر هذا المفهوم وترويجه داخل المنظمات تصرفاً "غير صحي" على المستويين المهني والشخصي، ويطرح بديلا عنه مفهوم "اعمل بذكاء والعب دائماً". شاهد الفيديو

إعادة تعريف السعادة في العمل

لإحياء قيمة السعادة في العمل، علينا أولًا أن نتحدى الفكرة التقليدية التي تفصل بين العمل واللعب. يجب أن نعيد صياغة مفهوم العمل ليشمل المتعة والشغف. قد يتطلب ذلك:

1. خلق بيئات عمل محفزة: أماكن مليئة بالابتكار والتجديد، تُلهم الموظفين للتجربة والتعلم دون خوف من الفشل.

2. تشجيع التعلم والإبداع: توفير الفرص للموظفين للتعلم والتطوير بطريقة تتناسب مع اهتماماتهم الشخصية.

3. تقدير الجهد بجانب النتائج: عندما يشعر الموظف أن جهوده تُقدر، حتى لو لم تكن النتائج مثالية، فإنه يتحفز للاستمرار.

4. إضفاء معنى للعمل: العمل ليس مجرد وسيلة للربح، بل فرصة للمساهمة وتحقيق الذات.

الخلاصة

العمل واللعب ليسا نقيضين. بل هما جزء من تجربة إنسانية واحدة. عندما نتوقف عن التفكير في العمل كواجب قاسٍ ونبدأ في رؤيته كفرصة للتعبير عن الذات والاستمتاع بما نفعل، نعيد اكتشاف السعادة في العمل.

لعل السؤال الذي يجب أن نطرحه اليوم ليس: كيف نفصل بين العمل واللعب؟ بل: كيف نجعل العمل لعبًا؟

كما قال سايمون سينيك:

“العمل الجاد من أجل شيء لا نهتم به يُسمى ضغطًا. أما العمل الجاد من أجل شيء نحبه فيُسمى شغفًا.”

فلنسعَ إلى تحويل عملنا إلى شغف، ونمزج بين الجدية والمتعة، لنحقق السعادة والإنتاجية معًا.