تستعد ديزني بلس لبدء نشاطها في الشرق الأوسط للبث التلفزيوني الرقمي الأسبوع القادم في الثامن من يونيو
تزامن دخول منصة ديزني بلس للخدمة مع موسم جائحة كوفيد-١٩ في الربع الأول من عام ٢٠٢٠ ولكن تحركات ديزني بدأت قبل ذلك بفترة من خلال قيامها تدريجيا بسحب حقوق عرض إنتاجاتها وإنتاجات الشركات التابعة لها من منصات البث المختلفة لتوفيرها حصريا عبر منصة ديزني بلس
إنتاجات ديزني تشمل علامات تجارية ترفيهية تخاطب أجيال متعاقبة من المستهلكين على مدى عقود مثل ستار وارز ومارفل وإنتاجات بيكسار من الرسوم المتحركة هذا عدا إنتاجات ديزني نفسها من أفلام ورسوم متحركة لأبطال ديزني المشهورين مثل ميكي ماوس ورفاقه وقصص الأميرات وسحر ديزني الذي كان ولا يزال أحد مصادر الاستهلاك الترفيهي المفضل للأفراد والعائلات عبر كافة منافذ الاستهلاك من سينما ومسرح ومطبوعات ومصورات ودمى ومقتنيات مختلفة
كنت كتبت العام الماضي في فبراير ٢٠٢١ تعليقا حاولت من خلاله لفت النظر للمنافسة بين ديزني ونتفليكس وهو نوع من التدريب الشخصي على ملاحظة وفهم استراتيجيات المنافسة وتحركات اللاعبين الرئيسيين في نشاط اقتصادي معين ووظفت من خلاله مقارنة سريعة بين نيتفليكس واستراتيجيتها المقررة Deliberate Strategy التي تعتمد على الإنتاج المتنوع منخفض التكلفة والتدوير السريع والتجديد المستمر للمحتوى لإبقاء المشتركين داخل دائرة الترفيه المتجدد، فيما بدا وقتها أن توجه ديزني لدخول سوق البث التلفزيوني الرقمي هو تحرك استراتيجي خارج نطاق الأعمال الجوهرية لها Core Business ويهدف للتوسع بدخول أو استكشاف سوق جديدة باعتبارها Emergent Strategy أو استراتيجية ناشئة لكنها تستند على أرث كبير ومدعومة بعقود من الإنتاجات الضخمة ومكينة إنتاج محتوى تلفزيوني وسينمائي وكرتوني من نوعية الإنتاجات المتصدرة باستمرار في إيرادات شبابيك التذاكر أو قوائم العروض المفضلة
في فبراير من العام الماضي كان عدد مشتركي نيتفليكس حوالي ٢٠٠ مليون مشترك وقتها كان عدد مشتركي ديزني بلس بعد قرابة عام على إطلاقها حوالي ٩٥ مليون مشترك وعندما نضيف لهذا الرقم مشتركي المنصات التابعة لديزني مثل ESPN و Hulu فإن عدد المشتركين يرقى إلى حوالي ١٥٠ مليون مشترك
بنهاية الربع الأول من عام ٢٠٢٢ بلغ عدد مشتركي نيتفليكس حوالي ٢٢٢ مليون مشترك مع رؤية مستقبلية تبدو سلبية فيما يتعلق بنمو عدد المشتركين وهو مؤشر رئيسي ينعكس على نمو الإيرادات من حصيلة الاشتراكات كرافد رئيسي من روافد الدخل وهو الأمر الذي قاد حركة سهم نتفليكس لتسجل أسوأ أداء لها وانخفاض ٦٩٪ تقريباً من قيمتها السوقية خلال آخر ٦ شهور
في المقابل فإن منصة ديزني بلس وحدها حققت نموا في عدد المشتركين وصل إلى مستوى ١٣٠ مليون مشترك بنمو ٣٧٪ على أساس سنوي مقارنة بنمو ٩٪ لنتفليكس فيما تستكشف نتفليكس استراتيجيات ناشئة Emergent Strategy على غرار ما فعلت ديزني بدخولها لسوق البث الرقمي الذي يبدو أجنبيا عن مكامن قوتها الرئيسية وتركز أعمالها الجوهرية
يبدو أن تحركات نتفليكس لا تحظى بالزخم المطلوب وتبدو عاجزة عن مجاراة عملاق الترفيه ديزني بتحركات ملفتة وقوية. من الأفكار السيئة التي يتم مناقشتها: القيام بتقسيم الاشتراك إلى شرائح بحيث يتم تضمين الإعلانات كجزء من شريحة اشتراك تعرض بسعر أقل من ذلك المعروض لشريحة اشتراك تتمتع بالعروض دون إعلانات وهو تحرك يرى فيه كثير من المحللين انقلابا على قيم نتفليكس الأصيلة، ولعلها فكرة لن ترى النور. فيما تنظر أفكار أخرى لطرح مقتنيات ودمى على غرار ما تفعل ديزني وعلاماتها التابعة بالترويج لإنتاجاتها ولشخصيات أفلامها وهي فكرة جيدة إذا ما تم استثمارها بالشكل الصحيح فالدمى والقمصان والأكواب ودفاتر وأقلام المدرسة والحقيبة وأكسسوارات الشخصيات وغيرها من المقتنيات الشخصية للكبار والصغار تعتبر من عوامل الجذب وترسيخ قيمة العلامة في أذهان العملاء وخلق ارتباط عاطفي مع العلامة وليس أدل على ذلك من مسلسل La Casa De Papel أو مسلسل Stranger Things اللذان برغم شهرتهما الفائقة إلا أن المتصدر بحسب عدد ساعات المشاهدة وبفارق كبير جداً هو مسلسل لعبة الحبار أو Squid Game حيث أنه بحسب تقارير نتفليكس في أول ٢٨ يوم من عرضه بلغت ساعات مشاهدته أكثر من مليار و ٦٥٠ مليون ساعة
التحرك الوحيد الذي أراه لافتاً ويعتبر استراتيجية ناشئة واعدة لنتفليكس هو ما نشر عن نيتها دخول سوق الألعاب وهو سوق ضخم للغاية يقدر حجمه بـ٢٠٠ مليار دولار بنمو سنوي ١٢٪ يتوقع أن يصل لمستوى ٤٣٥ مليار دولار بحلول عام ٢٠٢٨
الفرق بين الاستراتيجيتين المذكورة ناشئة كانت أو مقررة هو أن الاستراتيجية الناشئة خارج منطقة الراحة وتتطلب من المنظمة روحاً ريادية وابتكارية وجرأة في التحرك للتعلم والتجريب والتحسين وتقبل الخسارة والفشل
الاستراتيجية الناشئة مغامرة، فيما الاستراتيجية المقررة تستند على الخبرة والمعرفة الواسعة والبيانات التاريخية المتوفرة والريادة في السوق والمعرفة العميقة باحتياجات العملاء
الآن .. أين يقع الشرق الأوسط والدول العربية داخل سوق البث الرقمي؟ تقدر بعض المصادر عدد المشتركين في المنصات المدفوعة للبث الرقمي مثل نتفليكس و OSN وشاهد وستارزبلاي وأمازون وغيرهم برقم يتجاوز ١٠ ملايين مشترك ويتوقع أن ينمو هذا العدد لقرابة ١٦ مليون مشترك بحلول ٢٠٢٦
تتميز منصتا OSN و شاهد عبر mbc بإنتاجات أصلية باللغة العربية فيما تتميز منصة نتفليكس عن ديزني بإنتاجاتها الأجنبية المتنوعة ومن ضمنها أعمال أصلية باللغة العربية مثل مسلسل جن ومدرسة الروابي ووساوس وفيلم أصحاب ولا أعز وغيرها من الانتاجات، لكن لا يبدو طريق نتفليكس سهلا في منافسة شاهد و OSN في الانتاج العربي فيما تتفوق OSN على منصة شاهد في العروض الاجنبية تتفوق منصة شاهد بتنوع محفظة قنواتها بين الرياضة والأخبار والمسلسلات والأفلام والوثائقيات والبرامج المباشرة المتنوعة، وفي هذا الإطار لا يبدو أن ديزني ستكون قادرة على المنافسة بفعالية في سوق الشرق الأوسط وبالتحديد في نطاق المحتوى العربي وبهذا الخصوص ألفت النظر لبعض الملاحظات
أولا .. إنتاجات ديزني باللغة العربية قاصرة على دبلجة أفلامها الشهيرة وليست إنتاجات عربية أصلية
ثانيا .. في وقت لا يمكن لأي منصة من المذكورين أن تجاري ديزني في ضخامة إنتاجاتها ووصولها للأسواق العالمية المختلفة فإن ديزني لا تستطيع مجاراة كمية الانتاجات الأصلية من المنصات المذكورة خصوصا العربية منها.
ولكن على سبيل المثال حتى مقارنة باللاعب الأكبر نتفليكس فلا بد من ملاحظة أن نتفليكس في ٢٠١٩ قامت بإطلاق حوالي ٣٧١ عنوان أصلي فيما لم تنتج ديزني سوى ١٢ فيلم في ٢٠١٩ لكنها استحوذت في المقابل على ٤٠٪ من إيرادات شباك التذاكر الأمريكي US Box Office في ذات العام .. وهذا قد يكون معناه أن رهان ديزني هو على حصرية محتواها وجودته النوعية الفائقة وترقب الجماهير وإيمانهم بامتياز ديزني وتفضيلهم لمحتواها وشخصياتها وعلاماتها وهذه الاستراتيجية نجحت في استقطاب حوالي ١٣٠ مليون مستخدم مسبقا
للعلم أطلقت نتفليكس في ٢٠٢١ أكثر من ٤٥٥ عنوان أصلي
ثالثا .. بدأت ديزني بلس عروضها باشتراك ٧ دولارات شهرية في وقت كان اشتراك نتفليكس ١٤ دولار ونجحت تلك الاستراتيجية في استقطاب أكثرمن ١٠٠ مليون مشترك في عام واحد .. وعرضها اليوم في الشرق الأوسط يأتي بـ ٢٠ ريال شهريا للعام الأول وهو أقل من سعر نتفليكس ٤٣ ريال وسعر شاهدVIP للاشتراك الشامل ٦٨ ريال
سعر اشتراك ديزني بلس بعد انتهاء العرض سيكون عند ٣٠ ريال شهريًا ويبقى في نطاق أقل من أسعار الخدمات المنافسة لمنصات شاهدVIP و نتفليكس و OSN .. ويبدو أن ديزني ستواصل بنفس الاستراتيجية التسعيرية بهدف واضح للاستقطاب أولا وتوسيع قاعدة المشتركين .. ونضع هنا "لكن" كبيرة: هل المشاهد العربي مستعد للدفع مقابل عروض ديزني؟ خصوصا وديزني تدخل للسوق متأخرة عن منافسيها ؟ ستظهر الفترة المقبلة مدى نجاعة هذه الاستراتيجية التسعيرية في الشرق الأوسط في استقطاب المشاهد العربي
رؤيتي الشخصية أن سوق البث التلفزيوني الرقمي يتجه بسرعة كبيرة لعنق زجاجة المنافسة .. ومع الظروف الاقتصادية الراهنة أتوقع أن نصل خلال عامين أو ثلاثة على أقصى تقدير إلى مرحلة الحاجة لتحرير المحتوى من احتكار المنصات إلى سوق مفتوح يتم الدفع فيه مقابل الاستهلاك ولكن قبل ذلك ينبغي أن نصل لمرحلة ترتفع فيها قوة تفاوض المستهلكين وتتأثر الأسعار ويبدأ المشتركون بالمفاضلة بين الاشتراكات وإسقاط بعضها أو جميعها والاقتصار على الخدمة الأكثر استخداماً .. هذا التوجه من المستهلكين بالتخلي عن بعض الاشتراكات تصرف معقول حيث أن ساعات الشخص في جميع الأحوال محدودة وقدرته على استهلاك المحتوى في الوقت المتاح محدودة وبالتالي فإن الاحتفاظ باشتراكات متعددة ليس إلا إسرافاً تبريره الوحيد هو عدم الرغبة في تفويت أي فرصة للاستمتاع بالمحتوى الرائج والشهير
هل المستهلك هو الرابح الأكبر من تعدد خيارات المحتوى والاشتراكات؟ أم منصات البث التلفزيوني الرقمي هي الرابح الأكبر؟
ما الاسم الذي نطلقه على الشخص الذي يشترك في النادي ولا يذهب ليتمرن؟ 😅👋🏼