إلى أين تتجه المصرفية المحلية؟ متابعة للحلقة السابقة عن مستقبل المصرفية التقليدية واستعراض بعض المحاور من وثيقة تطوير القطاع المالي
إلى أين تتجه المصرفية المحلية؟ متابعة للحلقة السابقة عن مستقبل المصرفية التقليدية واستعراض بعض المحاور من وثيقة تطوير القطاع المالي
هذي الحلقة تابعة لحلقة الأسبوع الماضي أسجلها وسط زحمة السبت .. لكن هذا السبت الجداوي استثنائي ٢٠ أغسطس ٢٠٢٢ مع استضافة العروس لتظاهرة عالمية جاذبة وهي نزال البحر الأحمر .. النزال الرئيسي فيها بين جوشوا وأوزيك مع فعاليات ومباريات مصاحبة في يوم صاخب ومزدحم في رياضة الملاكمة .. نزال رائع لبطلنا السعودي زياد المعيوف وانتصار من الجولة الأولى بقاضية فنية ولا أروع على منافسه المكسيكي .. ونزال عالمي ناعم لأول مرة على حلبة سعودية .. أمسية يبقى فيها النزال الأهم .. أظن كفاية لحد كدا نرجع لبوكسنج أنيوجوال .. Banking Unusual صحصحوا معايا
الأسبوع الماضي اتكلمنا باختصار شديد عن مستقبل الأعمال المصرفية التقليدية وركزنا على مصرفية التجزئة Retail Banking وعمليات المصارف والبنوك عبر شبكات التوزيع المتمثلة في الفروع واخترت مقتطفات من الاستراتيجيات المقترحة من بعض شركات الاستشارات زي ماكينزي و بي سي جي و pwc .. الصورة العامة واضحة من حيث استمرار نمو التبني للحلول الرقمية وصعود نماذج الأعمال الرقمية .. لكن بقيت ملاحظة فيما يتعلق بالبنوك ونماذج المبيعات والخدمة وهي إن المبيعات الرقمية لم تستطع حتى الآن رغم نموها التاريخي التفوق على مبيعات فروع التجزئة المصرفية حيث تفضل شرائح متعددة من العملاء بغض النظر عن الجيل العمري الذي ينتمون إليه زيارة فروع التجزئة المصرفية للحصول على المنتجات التمويلية أو الاستثمارية بالتحديد
اليوم لا ماكنزي. لا بي سي جي ولا pwc .. اليوم أشارك معاكم بعض الأفكار والآراء الشخصية وحابب أوضح نقطتين فقط
النقطة الأولى .. تضارب الآراء من حيث استراتيجيات التوسع بزيادة عدد فروع التجزئة أو استبدال التوسع بتقليص التواجد الواقعي والاستثمار في التطبيقات والقنوات الرقمية هو جدال مستمر .. وتلاقي الطرفين كل واحد يستند على بيانات .. هنا واحدة من نقاط النقاش في هذي الحلقة .. واللي هي اختيار العملاء .. والبيانات ايش بتقول عن تفضيل العملاء لأي قناة
من نقاشاتي المتكررة في هذا الموضوع طورت مغالطة سميتها مغالطة الباب المفتوح وهي باختصار مثال عن قياس تفضيل الأفراد للدخول من بابين .. باب أ .. وباب ب .. راجعنا بيانات دخول العملاء من البابين فوجدنا إن ١٠٠٪ من العملاء استخدموا باب أ .. فاستنتجنا إن العملاء يفضلوا باب أ .. البيانات بتقول كدا .. أنا ليه سميتها مغالطة الباب المفتوح ؟ ببساطة لأن الباب ب .. مقفول .. فالاستنتاج غالط من الأساس لأنه مبني على فرض خاطئ .. وهو أن الأفراد استخدموا باب أ اختيارا .. وهذا غير صحيح
أهمية هذي المغالطة تجي من إنها تفسر الاستناد الخاطئ على البيانات لتبرير بعض القرارات المبنية على فروض خاطئة .. في سياق حلقتنا وحديثنا عن فروع التجزئة المصرفية و البنوك الرقمية أو قنوات المبيعات الرقمية و عن تفضيل العملاء وانقسامهم .. فالمقارنة دائما لازم تكون استنادا على تكافؤ الخيارات .. هذي المعضلة تواجه البنوك التقليدية فقط ولا تواجه البنوك الرقمية .. البنوك الرقمية تحل مشكلة مختلفة .. وهي مشكلة طرح المنتج نفسه أولا ثم التسويق له ثم العمل على اختراق حواجز النمو وما شابهها من تحديات التطبيقات والمنصات الرقمية .. لكن البنوك التقليدية مشكلتها هي كيف تخلق توازن مناسب يدفع نتايجها في الاتجاه الصحيح بتوجيه استثماراتها للتركيز على القنوات الواقعية أو القنوات الرقمية أو خلق نموذج هجين زي ما عرضنا في حلقة الأسبوع الماضي
كلمة السر هنا Digital By Choice هذا اللي يخلصك من مغالطة الباب المفتوح .. قبل ما تطالع في بياناتك أتأكد من تكافؤ العروض وقت القياس .. يعني لازم تتأكد إن المنتج اللي بتقيس تفضيل العملاء له على أي قناة من قنواتك متاح عبر قنوات المقارنة الحصول عليه بنفس الشروط .. كدا تقدر تعرف بعيدا عن الحملات الموجهة لتغيير سلوك العملاء وبدون مؤثرات خارجية إيش هو تفضيل العملاء الحقيقي ولاي قناة .. هذا شي ما يخلصك بس من مغالطة الباب المفتوح هذا ممكن يحميك لحظة من اللحظات الشهيرة زي لحظة نوكيا أو لحظة كوداك أو لحظة بلوكبوكستر .. وتراهم كلهم ضحايا من وجهة نظري لنفس المغالطة
النقطة الثانية السؤال اللي دائما يتردد نفتح فروع زيادة أو نقفل فروعنا الموجودة ؟
الإجابة المفضلة IT Depends .. ليه ؟
الترند عالميا هو إغلاق فروع التجزئة المصرفية من خلال مشاريع إعادة توزيعها التواجد الواقعي وبالتأكيد رفع الاستثمارات في المنتجات والقنوات والتطبيقات والمنصات الرقمية .. هذا الترند
لكن على سبيل المثال
أغلقت البنوك الأمريكية ٢،٩٢٧ فرعا مصرفيا في ٢٠٢١ وهو رقم تاريخي بزيادة ٣٨٪ عن العام السابق أغلقت البنوك البريطانية ٧٣٦ فرعا مصرفيا في ٢٠٢١ أغلقت البنوك الصينية أكثر من ٢،٦٠٠ فرع مصرفي في ٢٠٢١
أغلقت البنوك السعودية ١٤٩ فرعا مصرفيا منذ ٢٠٢٠ إلى نهاية الربع الثاني ٢٠٢٢
سبق ونشرت العام الماضي تحليلا مختصرا ذكرت فيه أن البنوك السعودية تتجه لإجمالي عدد فروع مصرفية عند مستوى إغلاق عام ٢٠١٤ وهو ١٩٠٩ فرعا مصرفيا ويفصلنا عن هذا الرقم إغلاق ١٨ فرعا مصرفيا إضافيا ربما نرى هذا الرقم أو أكثر منه بقليل في الربع الأول من ٢٠٢٣م
واللي حابب إحصائيات إضافية ممكن يرجع للحلقة ١٠ من الموسم الأول من بودكاست مصرفية غير تقليدية بعنوان To Branch or Not to Branch حلقة فيها معلومات وملاحظات استثنائية
أنا يمكن موقفي واضح لأي أحد يعرفني ومن ٨ سنوات بالتحديد من يناير ٢٠١٤ وأنا واضح تماما فيما يتعلق بمستقبل العمل المصرفي التقليدي وأن نماذج العمل المصرفي المستقبلية ستميل كفتها مع الوقت باتجاه النموذج الرقمي Digital على حساب النموذج الواقعي Physical المعتمد على فروع التجزئة التقليدية
هنا راح أذكر واحد من المؤشرات الشهيرة اللي بيعتمد عليها البنك الدولي عشان قياس الوصول للخدمات المصرفية وتمكين الشمول المالي وهو عدد الفروع المصرفية لكل ١٠٠ ألف من السكان البالغين
في أسبانيا مثلا عدد الفروع المصرفية ٥٠ فرع لكل ١٠٠ ألف من السكان هذا المعدل مسجل مابين ٢٠٠٤-٢٠١٩ على مدى ١٥ سنة .. نفس هذا المعدل في إيطاليا ٣٩ فرع لكل ١٠٠ ألف .. في أمريكا ٣٠ فرع .. في الهند ١٥ .. في الصين ٩ .. في السعودية عندنا نفس هذا المعدل ٨ فروع لكل ١٠٠ من السكان البالغين
قبل ١٥ سنة كان ممكن يجيك واحد ويقول لك استنادا على نفس الأرقام هذي إن سوقنا Underbanked ويحتاج فروع زيادة .. لكن اليوم ومع ارتفاع نسبة تبني الحلول الرقمية صعب نكرر نفس الكلام اللي كنا نقوله قبل ١٥ سنة .. عيب تكون حافظ مش فاهم
تخيل في الصين بين ٢٠١٧ و ٢٠١٨ ارتفعت نسبة المدفوعات الرقمية خارج البنوك في المناطق الريفية بـ ٩٣٪ وفي المناطق الحضرية بـ ٥٣٪ وهذا واحد من المؤشرات المهمة على الشمول المالي سواء كان المحرك الرئيسي له هو البنوك أو شركات التقنية المالية الفينتك
نظرة بسيطة على الأخبار المتداولة خلال الأسبوع الماضي على سبيل المثال نشر البنك المركزي السعودي خبر مهم .. لأول مرة تتجاوز نسبة المدفوعات الرقمية المدفوعات النقدية الكاش .. عام ٢٠٢١ بلغت نسبة المدفوعات الرقمية للأفراد ٥٧٪ لما تراجع وثيقة تطوير القطاع المالي نفس هذي النسبة في ٢٠١٩ كانت ٣٦٪ .. هذي قفزة كبيرة والمستهدف ٧٠٪ في ٢٠٢٥ و ٨٠٪ في ٢٠٣٠
خلينا نربط المواضيع ببعض .. الحساب المصرفي يمكن الشمول المالي ويسهل المدفوعات الرقمية يعني يقلص المدفوعات النقدية .. وواحد من أهدافنا التوجه نحو مجتمع غير نقدي Cashless Society .. طيب كيف نوصل للحساب المصرفي ؟ فروع البنوك طبعا
أكثر من ثلثي الحسابات المصرفية في الولايات المتحدة الأمريكية تم فتحها رقميا وليس عن طريق فروع المصارف .. رغم المعدل ٣٠ فرع لكل ١٠٠ ألف من السكان .. نسبة الشمول المالي الكلية بحسب وثيقة برنامج تطوير القطاع المالي ٩٣٪
الآن بالنسبة لنا بحسب وثيقة برنامج تطوير القطاع فنسبة الشمول المالي الكلية في ٢٠١٩ كانت ٧١٪ ولما نتكلم عن فئة ٤٠٪ الأقل دخلا فالنسبة ٦٤٪ وبالنسبة للنساء فالنسبة ٥٨.٨٪ وبالنسبة للمناطق الريفية ٧٨٪
بنهاية الربع الثالث من ٢٠٢١ نسبة الشمول المالي الكلية وصلت ٨٣٪ ارتفاعا من ٧١٪ في ٢٠١٩
التوجه نحو الرقمنة أحد الاعتبارات الاستراتيجية في الوثيقة بوصف واضح يتضمن تقليل عدد الفروع المصرفية .. وزيادة عدد شركات التقنية المالية وخلق وظائف جديدة وتمكين الادخار طويل الأجل للأفراد ورقمنة عمليات اعرف عميلك لتسهيل فتح الحساب المصرفي وتسهيل فتح الحساب الاستثماري
الفصل السادس من الوثيقة مخصص عن التقنية المالية .. من الآخر ما ينفع تكون منتمي للقطاع المالي وما قرأت الوثيقة .. كلها ٩٩ صفحة .. تكشف لك التوجهات المستقبلية للقطاع والفرص المستقبلية
نختم باختصار
نرجع للأساسيات Strategy 101 تتعلم فيه حاجة اسمها Scenario Planning السيناريو المستقبلي بدون افتراضات .. دعم مؤكد لنموذج العمل الرقمي والتوسع في رقمنة المدفوعات وتقليل الاعتماد على الكاش ورقمنة فتح الحسابات المصرفية والاستثمارية وتقليل عدد الفروع المصرفية
إذا ما كنت راح تفتح فرع في المناطق الريفية مثلا أو في مدينة مالك تواجد فيها .. من مستوى شمول مالي ٨٣٪ بـ ٨ فروع لكل ١٠٠ ألف من السكان البالغين .. ولاحظ في أمريكا مستوى شمول مالي ٩٣٪ بـ ٣٠ فرع لكل ١٠٠ ألف من السكان
أنا ما باتكلم عن بنك بنك إيش خياراتك بس .. لكن عن المنفعة الكلية للقطاع المصرفي .. إيش الحافز لافتتاح مزيد من الفروع من قبل البنوك ؟
الأكيد هو إن السوق يتحمل المزيد من الفروع المصرفية التقليدية ولا يوجد ما يمنع من افتتاح المزيد منها سوى الجدوى الاقتصادية من فتحها .. ولا يبدو أن التوجهات المستقبلية للقطاع تدعم هكذا توجه بل على العكس القطاع يسير في اتجاه معاكس تماماً وبخطة معلنة وليست مفاجأة
قناعتي الشخصية هي أن شبكة الفروع المصرفية السعودية عند مستوى مناسب جداً وما ينفع نعتبر بس حجم الإغلاقات للفروع المصرفية عالميا ونروح نعمل زيهم بدون تفكير .. في مستوى معين من حجم الشبكة مطلوب لضمان الوصول للخدمات والمنتجات المصرفية للفئات الأكثر احتياجا وهذا دور مهم للجهات الرقابية ومنظم السوق ..
آخر نقطة .. البنوك الصغيرة وشركات التقنية المالية الناشئة لديها ميزة تفضيلية من حيث الحجم وملائمة أكثر لتوجهات القطاع المستقبلية .. وينبغي أن يكون تركيزها المستقبلي على تنمية حلول رقمية فاعلة .. المنافسة الرقمية تساوي الصغير بالكبير لأنها تختصر البنك في شاشة وتجربة مستخدم
المعركة المصرفية القادمة هي معركة رقمية بامتياز .. المهارات التي تفتقد لها المصارف التقليدية تحتاج لتطويرها هي مهارات تصميم وإدارة المنتجات الرقمية .. تحتاج البنوك التقليدية إلى إعادة هيكلة نفسها كشركات رقمية بروح ريادية .. لتمكين لياقة أكبر للمستقبل
كانت هذه الحلقة العاشرة من بودكاست مصرفية غير تقليدية شكرا لمتابعتكم Banking Unusual