مستقبل المصرفية التقليدية مع تصاعد التبني للمصرفية الرقمية: هل ستختفي البنوك التقليدية؟ وماذا يجب أن تفعل؟ آراء واستراتيجيات مقترحة من كبرى شركات الاستشارات
مستقبل المصرفية التقليدية مع تصاعد التبني للمصرفية الرقمية: هل ستختفي البنوك التقليدية؟ وماذا يجب أن تفعل؟ آراء واستراتيجيات مقترحة من كبرى شركات الاستشارات
مستقبل المصرفية التقليدية غالبا ما يكون أحد مواضيع النقاشات التي تصل أحيانا لمستوى التلاقي في وجهات النظر بالأبكاس ولا مانع من بعض الركب عند اللزوم وربما نصل لشد الشعور والخربشة ..
هذا الحوار الثري والفعال يدور بين متحمسين إلى طرفي نقيض واحد يعتقد أن المصرفية التقليدية انتهت تماما إلى غير رجعة وأنها مسألة وقت قبل أن تقفل جميع بنوك العالم أبوابها وأن المستقبل للفنتك والشركات الناشئة التي ستنقذ العملاء من براثن البنوك الجشعة .. فيما يقف على الطرف المقابل رأي يعتقد أن جميع تطبيقات المصرفية الرقمية والتقنية المالية والفينتك والبنوك الرقمية القائمة .. مجرد لعب عيال سينتهي مع أول أزمة عابرة تكشف هشاشة البنية التحتية والبنية المعرفية والبنية البشرية لجميع اللاعبين في هذا النطاق رافعا شعار المصرفية التقليدية باقية وتتمدد
الواقع يقول وهذا تذكير مني لكلام ذكرته في أكثر من مناسبة البنوك التقليدية والبنوك الرقمية Digital Only .. الاثنين موجودين في نفس السوق على مدى ١٠ سنوات تقريبا في أمريكا كقارة وأوروبا كقارة ورغم بيانات النمو القوية إلا إن ما أحد قضى على أحد ولا أحد طرد أحد .. أساسيات السوق وأداء الأعمال كانت فيصل بين نتايج البنوك المختلفة .. أيا كان نوعها .. بنوك تقليدية تهاوت وبنوك رقمية خرجت من السوق .. لا جديد .. أذكر مرة ثانية من المبكر الحكم على مستقبل البنوك الرقمية وكذلك المبكر الحكم على نموذج العمل المصرفي التقليدي بأنه انتهى وانقضى أو سينتهي وينقضي بمجرد ازدهار البنوك الرقمية وهو أمر في نظري أعني ازدهار البنوك الرقمية يحتاج على الأقل إلى ١٠ سنوات لينضج فيها نموذج العمل ويتم اختباره كما يجب
في هذي الحلقة راح استخدم بيانات مختلفة من عدة تقارير ودراسات واستطلاعات أجرتها كبرى شركات الاستشارات مثل ماكنزي وديلويت و BCG في محاولة لتوضيح بعض النقاط
على سبيل المثال مافي شك إن جائحة كوفيد-١٩ وفرت فرصة كبيرة لرفع نسبة تبني الحلول الرقمية وهذا شي استفادت منه جميع البنوك وليس فقط البنوك الرقمية وحدها .. ماهو سر إن جميع البنوك زادت استثماراتها في الحلول الرقمية .. وما هو سر إن عدد العملاء اللي بيستخدموا ولا يزالوا الحلول الرقمية من مختلف الأجيال العمرية زادوا بعد الجائحة عما كان وضعهم قبلها .. بما فيهم المستخدمين لأول مرة
في تقرير لـ BCG بعنوان الشمس تغرب على المصرفية التقليدية .. ملاحظة إن العملاء خلاص اتعودوا على البنوك باعتبار إنها تطبيقات وليس مباني .. وهي ملاحظة قد تكون في محلها .. من الصعب في كثير من الأسواق فعلا إنك تلاقي بنك ما عنده تطبيق يتيح لعملاؤه تنفيذ معظم عملياتهم اليومية دون الحاجة لزيارة فرع .. BCG وهذي عبارة جميلة صراحة بيقولوا انتهى الوقت اللي كانت البنوك تعتقد فيه إنها Too Big Too Fail المفروض اليوم يكون هم البنوك التقليدية إنها ما توقع في فخ Too Slow to Adapt يعني لا تتأمل كثير إن شركات الفينتك الناشئة تفشل وترتاح من قلقهم .. اشتغل على نفسك .. العملاء اللي اتحولوا للمصرفية الرقمية غالبا ما راح يرجعوا تاني للفروع
نصيحة BCG للبنوك التقليدية هي إنهم يتحولوا إلى Bionic Banks باعتماد رئيسي على البيانات والذكاء الاصطناعي وإمكانيات تحليل البيانات المتقدمة عشان يقدروا يخدموا عملاءهم في نطاقات تتعدى الأعمال المصرفية التقليدية .. وبنرجع للنقطة دي قدام لما نتكلم على الاستراتيجيات المقترحة من ماكينزي لكن خلينا نشوف ملاحظات ثانية أول شي
في تقرير لديلويت شركة الاستشارات الشهيرة Digital Banking Consumer Survey لاحظت مثلا إن نسبة العملاء اللي يفضلوا القنوات الرقمية بعد الجائحة تفاوتت بين العمليات الاعتيادية زي سداد الفواتير مثلا أكثر من ٧٠٪ من العملاء يفضلوا إجراء هذي العمليات عن طريق الموبايل أو أونلاين فيما ٢٠٪ تقريبا تفضل الفرع علما إن العميل بحسب التقرير ممكن يختار أكثر من قناة يعني ممكن يختار سداد الفاتورة من خلال الفرع أو التطبيق وهذا معناه إن النسبة منطقيا ممكن تكون أكثر من ٧٠٪ وربما ٨٠٪ تفضل استخدام الجوال أو الويب في سداد الفواتير وتنفيذ العمليات الاعتيادية
الموضوع يختلف شوية لما نتكلم عن منتجات التمويل أو الاستثمار مثلا .. ونلاقي تعادل بين نسبة العملاء اللي يفضلوا بعد الجائحة الاستمرار في استخدام الحلول الرقمية في طلب التمويل .. وهذا ممكن نفهمه إن العملاء لما يجي الموضوع للمنتجات الي تتطلب شرح وتفصيل وإقناع عندهم تفضيل واضح إنهم يتكلموا مع أحد وجه لوجه إن أمكن
لكن هذا ما يمنع مثلا لما ننظر لبنك عملاق زي بنك أوف أمريكا نلاقي إن نسبة طلبات التمويل اللي تم إنجازها عبر القنوات الرقمية في الربع الأول ٢٠٢١ كانت حوالي ٦١٪ مقارنة مع ٣٩٪ السنة اللي قبلها .. هذا ارتفاع ٢٢ نقطة مئوية .. مصدره بكل تأكيد تفضيل العملاء .. لأن البنك بيبيع منتجاته عبر الفروع التقليدية وما وقف بيع عبرها
مع توجيه العملاء المستمر للقنوات الرقمية برزت أدوات لمساعدة العملاء في استفساراتهم زي بوتات المحادثة Chatbots لكن مرة ثانية راح أرجع لتقرير ديلويت ٨٢٪ من العملاء اللي استخدموا الخدمة في الاستفسار عن معلومات المنتجات بيقولوا إنهم ما راح يستخدموها مرة ثانية .. ٤٦٪ قالوا إنهم يفضلوا مرة ثانية لو سألوا يروحوا فرع بنك
العملاء من جيل الألفية Millennials وما بعدهم Gen Z مثلا منفتحين بشكل أكبر إنهم يفتحوا حسابات مصرفية مع بنوك رقمية أو شركات التقنية العملاقة
واحدة من النصايح الجميلة اللي بيقدمها تقرير ديلويت هي أنسنة تجربة العملاء .. ملاحظاتهم انتهت بيهم إلى إن العملاء خصوصا الأصغر سنا ورغم تفضيلهم الحلول الرقمية إلا إن عندهم احتياج للتواصل المباشر مع مصرفي يقدر يساعدهم
أنا أشوف إن هذا دور مهم لمصممي الخدمات Service Designers الموسم الماضي ذكرت في أكثر من حلقة النموذج الهجين Phygital اللي هو مزيج من التجربة الواقعية Physical والتجربة الرقمية Digital فمصمم الخدمة لازم يكون عنده ذكاء في خلق تكامل بين القنوات المتعددة يقدر من خلالها العميل يحصل على الخدمة بسهولة .. بطبيعة الحال البنوك تتفاوت في هذا المجال .. لكن الملاحظ هو إن البنوك غالبا تصمم الخدمة بحيث يتم إنهاؤها على قناة واحدة دفعة واحدة .. وهذا وإن كان هو الأفضل بلا شك لعملية بسيطة زي سداد فاتورة إلا إنه مختلف تماما لما نتكلم عن منتج مثل التمويل العقاري يعتبر في كثير من الأحيان قرار عمر .. ما ينفع تكروت فيه العميل اللي ما عنده رغبة يشتري بيت زي ما يشتري فرشة أسنان من على أمازون .. لا تزال شريحة عريضة من العملاء لا يمكن تجاهلها .. بقدر رغبتها في المزيد من التجارب الرقمية وتحسينها وتخصيصها .. لسة عندهم رغبة يتكلموا مع بني آدم حتى لو على فيديو كول .. ما يمنع وهذا هو التكامل اللي أقصده وأنا في منتصف تجربة التقديم على منتج تمويل على تطبيق الجوال أطلب محادثة فيديو مع موظف يساعدني في بعض الاستفسارات .. ما أبغى شات بوت أبغى بني آدم لحم ودم .. تبدأ المكالمة في نفس السيشون تنتهي مع العميل حصل على أجوبته قدم الطلب .. وكمله في الفرع بتوقيع عقود أو تسليم مستندات أو كمله بالكامل على التطبيق .. هذي المرونة اللي عميل المستقبل يحتاجها
في ١٣ يوليو ٢٠٢٢ يعني قبل شهر بالضبط نشرت ماكينزي تقرير يدور في هذا الفلك كيف نقدر نحل معضلة نموذج المبيعات والخدمة في فروع التجزئة المصرفية .. خصوصا إن في إغلاقات تاريخية لفروع التجزئة المصرفية .. بحسب تقرير ماكنزي في الأسواق المتقدمة Developed Markets هي بحسب تعريف S&P ٢٥ دولة عندهم معايير لتقريرها .. المهم البنوك في هذي العينة أغلقت خلال عام واحد ٢٠٢١ ما نسبته ٩٪ من إجمالي فروع المصارف العاملة وهي أعلى نسبة إغلاقات خلال آخر ٥ سنوات
مع ذلك ورغم الانخفاض في عدد عمليات الفروع بسبب الحظر أيام الجائحة ورغم انخفاض المبيعات من الفروع بعد الافتتاح مرة أخرى .. بحسب ماكينزي مبيعات فروع التجزئة المصرفية انخفضت بنسبة ١٠٪ .. إلا إن الملاحظة إن الارتفاع في المبيعات عبر القنوات الرقمية ما عوض هذا الانخفاض بالمجمل القنوات الرقمية ارتفعت مبيعاتها ٤ نقاط مئوية ..
علما إن مبيعات القنوات الرقمية في ٢٠٢١ وصلت ٤٠٪ من إجمالي المبيعات وهو رقم تاريخي لكنها بالمجمل لا تزال لم تعوض فارق الانخفاض في المبيعات الكلية
وهذا اللي خلاهم يطرحوا سؤال وجيه: هل القنوات الرقمية قادرة على استبدال فروع التجزئة المصرفية؟
اللي بيجادلوا بيه هنا هو إن حتى الارتفاع اللي صار في مبيعات القنوات الرقمية ما صار عشان القنوات الرقمية أشطر لكن عشان الفروع كانت غير متاحة للمبيعات أساسا بسبب إغلاقات الجائحة كوفيد-١٩
غير كذا من الملاحظات المهمة في تقرير ماكينزي إن في فرق بين رغبات العملاء المعلنة وتصرفاتهم .. يعني على سبيل المثال ٧٥٪ من العملاء في أمريكا يفضلوا إنهم يفتحوا حساب مصرفي رقميا لكن في الحقيقة حوالي ٣٥٪ فقط من الحسابات بتنفتح عبر القنوات الرقمية
في بريطانيا مثلا نسبة المبيعات عبر القنوات الرقمية حوالي ٨٦٪ فيما إن العملاء لما انسألوا عن تفضيلهم للمبيعات عبر أي قناة ٤٥٪ فقط من العملاء اختاروا القنوات الرقمية
الجميل إن ماكينزي وهذا لأول مرة أشوفه فرقوا بين الرغبة والتفضيل والاستخدام للقنوات الرقمية أو الموبايل بالتحديد
واحدة من الاستراتيجيات اللي اقترحتها ماكينزي لدفع الموجة القادمة من نمو استخدام القنوات الرقمية هي تقديم أدوات أو خصائص متقدمة زي Personal Finance Management Tool أحد يذكرني كم مرة اتكلمت عنها بالله .. PFM tool تجمع بيانات عملياتك المصرفية تصنفها وتحللها وتخرج لك بتوصيات كيف تحسن سلوكك الإنفاقي
بحسب ماكينزي البنوك اللي بتقدم زي هذي الخاصية لعملاءها ونسبة كبيرة من عملاءها مفعلة هذي الخاصية بيلاحظوا ٣٧٪ مرات دخول أكثر على تطبيق الجوال و ١٧٥٪ زيادة في المبيعات لكل مستخدم .. هذا Uplift في المبيعات ما تشوفه في أحسن أحلامك .. ليش ؟ عشان Customer Engagement إنت بتساعد عميلك بتقدم له خدمة تحسن حياته كلها مو بس شئونه المالية
هل هذي هي الاستراتيجية الوحيدة .. لأ طبعا .. من الاستراتيجيات المقترحة انخراط البنوك في الحياة اليومية للعملاء .. بناء حلول رقمية تمكن العملاء مثلا من شراء تذاكر السينما .. أو أجهزة تقنية موبايل أو تابلت .. أو تطلب أكل مثلا ..وغيرها من الخدمات اللي تساعد في تكوين علاقة بين العميل والبنك تتعدى مستوى المنتجات المصرفية فقط .. خلاص آخر مرة .. ما حاقول إن هذا الكلام قلته قبل كدا .. إلا قلته بس إنتو تحبو الـ ماكينزي
عشان تقدر تقدم هذا النوع من الخدمات لعملاءك تحتاج تتحول لـ Bionic Bank زي ما سمته BCG وهو بنك يستند على البيانات كمحرك رئيسي وقدرات متقدمة في الذكاء الاصطناعي والتحليل المتقدم للبيانات .. من أمثال التحليل التنبؤي Predictive Analytics كيف تكتشف التحركات المستقبلية لعملاءك والاحتياجات المستقبلية لهم وتخرج باقتراحات وتفضيلات تتناسب مع خصائص العميل نفسه هنا بنتكلم على الأنسنة Humanizing و التخصيص Personalization وهذا ياخذنا لاستراتيجية مقترحة من ماكينزي أيضا
أنسنة التجارب الرقمية .. وهي نفس مقترح ديلويت .. ماكينزي بيتكلموا عن أحد البنوك الأوروبية اللي قدم خدمات المشورة عن بعد لعملاء الاستثمار وخلال أقل من سنة ضاعفوا إنتاجية المستشار وزادوا الأصول تحت الإدارة مرة ونصف .. تقديم خدمات المواعيد لزيارة الفروع مثلا أو التوقيع الالكتروني على المستندات وغيرها من حلول أنسنة التجارب المصرفية ساهمت في رفع نسبة رضا العملاء بـ ٦٠٪ عند البنوك اللي طبقتها
أكتفي بهذا القدر وأحاول ألخص عشان توضح الصورة أكثر
أولا المصرفية الرقمية في تصاعد مستمر والتحول الرقمي أصبح جزء من الاعمال الاعتيادية ومتطلبات البقاء في النشاط وهذا شي بتستفيد منه شركات التقنية المالية الناشئة اللي بتبدأ من حيث انتهى الآخرون
ثانيا تفضيل العملاء للتجارب الرقمية والمصرفية الرقمية لا يعني انتهاء المصرفية التقليدية بل هو في ذاته فرصة لأنسجة التجارب الأهم عند العملاء وإعادة تصميم الخدمات والمنتجات بشكل يتيح سلاسة التنقل بين القنوات وتقديم خدمات ومنتجات مفيدة للعملاء في حياتهم تتعدى حدود المصرفية التقليدية
ثالثا هناك دور لا تزال فروع المصرفية التقليدية قادرة على أداؤه بشمولية أكبر في الأدوار وبتركيز أكبر على مساعدة العملاء في الحصول على ما يتوقعون من الفروع .. خدمة مخصصة لهم وإنصات باهتمام وتفهم لاحتياجات العملاء واستغلال أمثل للتقنية والبيانات
رابعا التحول لـ Bionic Bank قد يكون هو العامل الأبرز مع وفرة البيانات عند البنوك التقليدية وكسبها معركة الثقة مسبقا مع عملاءها وهذي ميزة تفضيلية للبنوك التقليدية أمام منافسيها إذا تزاوجت مع مكينة البيانات والذكاء الاصطناعي فقد تكون قادرة على تحسين الموقف التنافسي المستقبلي
أخيرا تبقى معضلة التكلفة إلى الدخل ولا مناص من التخفف من فروع التجزئة المصرفية وهو أمر كما سبق ذكره يحدث بأسرع وتيرة مقارنة بآخر خمسة سنوات
كانت هذه الحلقة التاسعة من بودكاست مصرفية غير تقليدية شكرا لمتابعتكم Banking Unusual